حرب أم رحلة؟ | الاستعارة في سياق المرض والتشافي

"استمع إلى دقّات القلب"، غاليري توماس شولت ، 2020 | تصوير: ستيفان هاينيل

 

بات واضحًا في حقل الدراسة الإدراكيّة للاستعارة، أنّ هذه الأداة البلاغيّة ذات تأثير عميق في التفكير. الاستعارات الّتي نستخدمها في وصف ظاهرة ما قد تتسبّب بتصميم الأفكار والمشاعر تجاهها. إنّ العناية بالتفاصيل اللغويّة والبلاغيّة، وفي لبّها الاستعارة، قد تكون حيويّة ومفصليّة في مختلف الحقول الحياتيّة الّتي نخوض فيها يوميًّا. والاستعارة قد تكون انطلاقة إلى عالم دلالات ومفاهيم كامل ومتشعّب، والّذي هو بطبيعة الحال مغاير وأحيانًا متناقض بين «معسكر استعاريّ» ما وآخر يقابله.

في الآونة الأخيرة، ثمّة اهتمام متزايد لتأثير الاستعارات في الحقل الطبّيّ والنفسيّ العلاجيّ؛ تُطْرَح الأسئلة حول دور الاستعارات في تغيير سيرورة المرض والعلاج، وهل تغيير اللغة التشبيهيّة المجازيّة تجاه حالة جسمانيّة عصيّة، من شأنه أن يسرّع الشفاء أو يعسّره؟

 

الاستعارة والحقل الطبّيّ

بداية، العلاقة بين الحالة النفسيّة والحالة الفسيولوجيّة أو المرضيّة علاقة مرصودة وموثوقة في عالم الطبّ والعلوم، وكذلك أيضًا في الأدبيّات الشعبيّة الّتي تلخّص تراكم الخبرات البشريّة عبر العصور. لذا؛ لا شكّ في أنّ الإجابة عن التساؤلات المتعلّقة بتأثير اللغة والاستعارات في الشفاء يجب أن تنطلق من افتراض أنّ الحالة النفسيّة للإنسان متفاعلة ومتداخلة مع الأثير اللغويّ والبلاغيّ المحيط به والمنتَج على يديه. باختصار، ثمّة علاقة ثنائيّة الاتّجاه بين وضع المريض النفسيّ واللغة الّتي يستخدمها، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه اللغة ذات تأثير حتميّ لو اسْتُخْدِمَتْ بشكل واعٍ أو غير واعٍ. لذا؛ إذا كان ثمّة علاقة وطيدة بين اللغة والوضع النفسيّ للمريض، فمن المفيد والمثير أن نتأمّل، على وجه الخصوص، عيّنة الأمراض المعروف تأثّرها الكبير بنفسيّة المريض، وعلى رأسها مرض السرطان.

لا شكّ في أنّ الإجابة عن التساؤلات المتعلّقة بتأثير اللغة والاستعارات في الشفاء يجب أن تنطلق من افتراض أنّ الحالة النفسيّة للإنسان متفاعلة ومتداخلة مع الأثير اللغويّ والبلاغيّ المحيط به...

الباحث كاساريت وشركاؤه (2010) كانوا أوّل مَنْ رصد أنّ استعمال الاستعارات باللغة المهنيّة للأطبّاء المختصّين بمرض السرطان (أونكولوجي)، يقارب ثلث جميع التفاعلات اللغويّة؛ من بين كلّ ثلاث كلمات ثمّة واحدة ذات دلالات مجازيّة نابعة من استعارة ما. هذا يؤكّد من جديد أنّ الاستعارات جزء جوهريّ دائم وشائع الاستعمال في التداولات الحياتيّة، وأنّ هذه الاستعارات ليست تلك الأداة البلاغيّة الّتي يقتصر استعمالها على الشعراء وكتّاب النصوص المعياريّة الفصيحة، بل إنّها جزء لا يتجزّأ من لغة الناس في كلّ الفئات والطبقات.

وتبعًا للحديث، مجموعة واسعة من الدراسات في الولايات المتّحدة وبريطانيا وإسبانيا رصدت عائلتين أساسيّتين من الاستعارات في الحديث، والتعاطي مع مرض السرطان؛ العائلة الأولى والأكثر شيوعًا هي عائلة الاستعارات الّتي تربط التعاطي مع المرض بدلالات الحرب والصراع والعنف، مثل «محارب السرطان»، أو «معركتي مع السرطان»، أو «الانتصار على السرطان». والعائلة الثانية من الاستعارات تلك الّتي تصف فترة المرض بالرحلة أو السيرورة.

 

فشل ونجاح

بنظرة تأمّليّة للتداعيات الدلاليّة لاستعارة «المعركة مع السرطان» ومشتقّاتها، ننتبه إلى أنّها قد تسبّب جوًّا عنيفًا وتنافسيًّا؛ ممّا أدّى إلى نقد استعمال هذه الاستعارة من قِبَل بعض الباحثين؛ فحين نتصوّر مرض السرطان عدوًّا، وأنّ التعاطي معه بمنزلة معركة أو حرب، ستصحب هذا التصوّر مجموعة من الفرضيّات الضمنيّة الّتي وجب فحصها وتأمّلها.

أوّلًا، افتراض أنّ المرض هو «حرب»، يضع الوزن الأكبر من المسؤوليّة على المريض، ففي الحرب ثمّة الرابح وثمّة الخاسر، وهذا يتضمّن الإيمان بأنّك إذا ما حاولت واجتهدت بما فيه الكفاية فستستطيع الشفاء بعرق جبينك، وهي مقولة تُهْمِل الجانب النفسيّ والعاطفيّ لدى المرضى، ولا سيّما في ما يتعلّق بالرضا والتسليم بالواقع وعدم إنكاره. أحيانًا، ثمّة حاجة ماسّة لدى المريض إلى أن يعترف بمشاعره الصعبة وضعفه وإحباطه، وكذلك التعبير عن هذه المشاعر بصورة نقيّة وصريحة؛ ممّا قد يخفّف من عنائه. هذا التخفيف والتنفيس الوجدانيّ يُسَمّى باللغة الإغريقيّة «كارثارسيس» (تطهير)، وله الكثير من المقابِلات في اللغة العربيّة، مثل التضرّع إلى الله والابتهال والتشفّع إليه.

وعلى ذلك، وجدت الدراسات أنّ تصوّر السرطان عدوًّا في حالة حرب قد يستثير معادلة الفشل والنجاح؛ فبعض المرضى الّذين يشعرون بتراجع صحّيّ يعبّرون عن إحساسهم بالفشل والإخفاق؛ ممّا قد يفاقم ظاهرة قمع المشاعر السلبيّة وطمس الحاجة إلى التعبير عنها. ثمّ بدراسة أخرى وُجِدَ أنّ وصف المرض بـ «العدوّ في المعركة»، يؤدّي إلى تقليل جهوزيّة الناس للشروع في نمط حياة صحّيّ ووقائيّ مقارنة بالحالة الّتي لم تستخدم هذه الاستعارة.

بشكل مغاير لدلالات الحرب، الرحلة ذات حقبة زمنيّة وجيزة ومؤقّتة، لها بداية ولها نهاية، وهي ذات طابع إيجابيّ عادةً، فإذا لم تكن ممتعة فلا بدّ من أن تكون مفيدة معرفيًّا...

استمرارًا لما ذُكِر، فالمحصّلة في الدراسات الغربيّة الحديثة، ترجّح الكفّة القائلة بأنّ استعمال استعارة الحرب والمعارك في سياق الأمراض، وخاصّة مرض السرطان، هو استعمال يعود بنتائج أكثرها سلبيّ وغير ناجع للتعامل مع واقع المرض. البديل الرائج عند متكلّمي اللغة الإنجليزيّة لاستعارة الحرب هو استعارة الرحلة، الّتي بها توصَف الإصابة بالسرطان على أنّها سيرورة أو رحلة. بشكل مغاير لدلالات الحرب، الرحلة ذات حقبة زمنيّة وجيزة ومؤقّتة، لها بداية ولها نهاية، وهي ذات طابع إيجابيّ عادةً، فإذا لم تكن ممتعة فلا بدّ من أن تكون مفيدة معرفيًّا، أو ذات قيمة تطويريّة لنضوج الشخص المسافر ولشخصيّته. على عكس الحرب ذات الطابع السلبيّ، يحظى كلٌّ من الطرفين بخسائره. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ روح النصوص الإسلاميّة في التعاطي مع معاني الأمراض ومفاهيمها، تتناغم مع وصف الإصابة بالمرض رحلةً أكثر من التشبيه بالحرب.

 

الاستعارة الإسلاميّة

1. التطهير

من المهمّ الانتباه إلى أنّ الاستنتاجات الواردة في الدراسات الغربيّة هذه، ليست بالضرورة سارية المفعول على ثقافات وسياقات مغايرة لها. وكذلك، علينا ألّا نقع في فخّ استيراد المعرفة كما هي بدون محاولة نقدها وملاءمتها للغتنا وتاريخنا الغفير، هذا الفخّ الّذي أودى بالكثيرين إلى تهميش الذات والثقافة وإقصائهما؛ عن طريق تبنّي توصيات الدراسات الغربيّة، بدون فحص الفرضيّات الضمنيّة الأوّليّة وتمحيصها، الّتي أتاحت هذا النوع من التعقّل والاستقصاء. لذا؛ في الفقرات التالية أريد تحليل الاستعارات الإسلاميّة المستخدمة في سياق البلاء والمرض.

نبدأ بالحديث: "أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دخل على أمّ السائب - أو أمّ المُسَيِّبِ - فقال: ما لك يا أمّ السائب - أو يا أمّ المسيّب - تُزَفْزِفِينَ؟ قالت: الحمّى، لا بارك الله فيها. فقال: لا تسبّي الحمّى، فإنّها تُذْهِبُ خطايا بني آدم، كما يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحديد". وهنا الكير هو منفاخ الحديد، والمقصد بخبث الحديد أي حالته الخام الملوّثة أو المتّسخة غير النقيّة.

في هذه القصّة وغيرها، ثمّة الكثير من العبر الّتي ترد عن آداب التعامل مع الإصابة بالبلاء والمرض، مثل عدم سبّه وعدم السخط والتسخّط تجاهه وتجاه القضاء والقدر وإرادة الله. لكن ليس هذا هو مبحثنا، بل إنّنا نُعْنى هنا بالذات بالاستعارات المستخدمة باللغة الرائجة في هذه النصوص. بدايةً، بالحديث المذكور أعلاه، ثمّة تشبيه واضح وصريح بين كيفيّة إذهاب المرض لخطايا المريض وإبطاله، وبين تنقية الحديد من خبثه (أو وسخه) على يد الكير. يدلّ التشبيه على أنّ الرسول يصوّر الإنسان بأنّه مادّة خامّ، مركّبة من خليط من الصلاح والرشد وكذلك من الخطايا، ويترتّب على هذا التوصيف الإيمان بأنّ حياة الإنسان تهدف إلى التطهير يومًا بعد يوم، وأنّ على الإنسان أن يعي بأنّه خطّاء، وأنّه يجب أن يطمح دومًا للتكفير عن هذه الخطايا والآثام؛ عن طريق تحمّل الشدائد والضرّ. وفي هذا السياق ثمّة الكثير من الآيات والأحاديث الّتي تحثّ الإنسان المصاب بالمرض على «العودة» (وهي استعارة أخرى) إلى الله، والتعامل مع المرض بصفته فرصةً للتوبة.

إبراز دلالات مفهوم الروح عن طريق الفرضيّات الضمنيّة في استعارة «المرض كشائبة أو كاتّساخ»، بحدّ ذاته يعرض اختلافًا جوهريًّا للتركيب المفاهيميّ تجاه الإنسان والمرض...

وتشبيه المرض بالاتّساخ أو بالشائبة الّتي تحتاج إلى التطهير والتنقية هو تشبيه يؤكّد وجود الروح أو الماهيّة الروحيّة في المركز، وهذا لأنّ دلالات الاتّساخ تشمل كونه مضافًا أو عَرَضًا يظهر على جسم أو كيان مركزيّ ما، وهذا الجسم - أو الكيان - بهذه الحالة على الأرجح أن يكون هو الروح وليس المادّة. إبراز دلالات مفهوم الروح عن طريق الفرضيّات الضمنيّة في استعارة «المرض كشائبة أو كاتّساخ»، بحدّ ذاته يعرض اختلافًا جوهريًّا للتركيب المفاهيميّ تجاه الإنسان والمرض، عند مقارنته بالاستعارات الّتي دُرِسَتْ ضمن الدراسات الغربيّة أعلاه (بالذات استعارة المرض بصفته عدوًّا في معركة)؛ ففي حين تضع الأولى (المرض شائبة) الروحانيّات في المركز؛ عن طريق رفضها الضمنيّ أن تفصل بين المادّة والجسم الإنسانيّ وحالته الفسيولوجيّة، وبين السعي والطموح إلى الاستقامة الأخلاقيّة والتكفير عن الذنوب، بالمقابل، تُنَصِّل الثانية (المرض عدوّ في حرب) المريض من المسؤوليّات الأخلاقيّة تجاه نفسه أو تجاه المجتمع والعالم من حوله؛ ففي الحروب المعاصرة لا مكان للأخلاق المطلقة، والغاية تبرّر الوسيلة. في هذه الاستعارات ثمّة ما يذكّر بمصطلحات طه عبد الرحمن مثل «الدنيانيّة» (فصل الدين عن مجالات الحياة) و«الدهرانيّة» (فصل الأخلاق عن الدين)، الّتي يمكن ادّعاء أنّها الأرضيّة الخصبة الّتي أنتجت الشبكة التداوليّة والمعجميّة للعالم الغربيّ الحداثيّ.

التعرّض لمفهوم الروح في ديناميكيّة المرض والمريض يغيّر اللعبة تمامًا؛ فهو يعيد مَعْيَرَة القيم والأهداف المترتّبة عليها لتلائم هذا المفهوم. لن نستطيع هنا الدخول إلى تراكيب هذا المفهوم، ولكن يمكننا بسهولة الانتباه إلى تأثيراته في اقتباسات وتوصيات من النصوص القرآنيّة أو من الأحاديث النبويّة، مثل {فأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون} [سورة الأنعام: 42]، و"إنّ عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء"، و"قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أنّ جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض"، وغيرها الكثير. وفي هذه الأمثلة لا بدّ من استشعار النظرة التفاؤليّة والإيجابيّة تجاه البلايا والأمراض، والتعامل معها بصفتها فرصةً لكسب الأجر والثواب، وهي معجميّة «الأجر والثواب والعقاب»، غير الرائجة في التداوليّة العلمانيّة الحداثيّة، ويجدر التساؤل عن تداعيات ذلك من قِبَل الحركات الثقافيّة التقدّميّة أو العلمانيّة.

 

2. الاختبار والابتلاء

محور استعاريّ آخر كثير الظهور في السياقات الإسلاميّة، هو ربط مفهوم المرض بالاختبار والابتلاء، وهو يظهر في نصوص مثل: "إنّ الله عزّ وجلّ إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمَنْ رَضِي فله الرضا، ومَنْ سخط فله السخط"، و{الّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [سورة الملك: 2]، وغيرها. في هذا التشبيه، من المهمّ التفريق بين معايير الاختبار الدينيّ وبين معايير الاختبار الدنيانيّ الّذي رُمِزَ إليه سابقًا بصفته جزءًا من تداعيات استعارة المرض بصفته عدوًّا في حرب، والّذي قد يؤدّي إلى شعور بالنجاح أو الفشل عند المرضى، بحسب تقدّم المرض أو تراجعه، فإذا توقّفنا عند معاني الاختبار ومعايير نجاحه وفشله في النصوص الإسلاميّة أعلاه، فلا بدّ من الانتباه إلى أنّ المعيار هو الأخلاق (أو التقوى). لذا؛ الاختبار بهذه الحالة يضع الحالة النفسيّة والأخلاقيّة للإنسان في المركز، وليس الحالة الجسديّة والمادّيّة.

يمكن ادّعاء أنّه باستعمال لفظ المسّ ثمّة دفاع عن النفس وعن الجوهر والروح؛ لأنّ المسّ صاحب دلالات مثل محدوديّة المساحة الملامسة وعدم الغَمْر أو الإحاطة بالجسم الّذي مُسَّ.

لا يمكن الخوض في مبحث الاستعارات والأمراض بدون التطرّق إلى القصّة الأنموذجيّة (أرخيتيبيّة) لعناء المرض، المتمثّلة بقصّة النبيّ أيّوب، الّذي أصبح اسمه مرتبطًا بقمّة الصبر: «صبر أيّوب». القصّة بطبيعة الحال تحوي الكثير من الافتراضات الضمنيّة المرتبطة باستعارة المرض اختبارًا وابتلاءً، الّذي هو فرصة لتطهير الروح وكسب الأجر العظيم، لكن ما هو مثير أيضًا، توصيف الضرّ (المرض) في النصّ القرآنيّ: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحِمِينَ} [سورة الأنبياء: 83]؛ استعمال لفظ «مَسّ»، أي لامَس، مغاير عن حقل الدلالات التابع للعراك والقتال والعدوانيّة، بل إنّه يعترف بحقيقة وجود هذا الضرّ في العالم، وعلى قدرته الكامنة في أن يمسّ أيّ إنسان. ثمّ في فعل المسّ قد يكون ثمّة تأكيد العامل الجسديّ، فحاسّة اللمس أكثر الحواسّ مادّيّة، وكذلك فإنّها أيضًا عرضيّة وخارجيّة لا جوهريّة؛ لأنّ فعل اللمس يحدث على الجلد المتصوَّر كغلاف للجسم ومحتوياته الداخليّة. وبهذا يمكن ادّعاء أنّه باستعمال لفظ المسّ ثمّة دفاع عن النفس وعن الجوهر والروح؛ لأنّ المسّ صاحب دلالات مثل محدوديّة المساحة الملامسة وعدم الغَمْر أو الإحاطة بالجسم الّذي مُسَّ.

نهاية، رغم محاولة الإحاطة بأكبر قدر ممكن من الاستعارات لوصف الأمراض والتعاطي معها، ثمّة الكثير لم يُتَطَرَّق إليه في هذه المادّة. يمكن اعتبار ما تُطُرِّقَ إليه دعوة للتأمّل في الصيغ اللغويّة والتعبيريّة الّتي نوظّفها بشكل واعٍ أو غير واعٍ في السياقات الحياتيّة، مع التشديد على أهمّيّة العناية بعمليّة اختيار الاستعارات لوصف المفاهيم المجرّدة غير المحسوسة، الّتي بذلك هي قابلة لإعادة التصميم رأسًا على عقب، بحسب الحقول المفاهيميّة الّتي نستعيرها لتداولها والكلام فيها.

 


مرجعيّة:

* Casarett, D., Pickard, A., Fishman, J. M., Alexander, S. C., Arnold, R. M., Pollak, K. I., & Tulsky, J. A. (2010). Can metaphors and analogies improve communication with seriously ill patients? Journal of Palliative Medicine, 13(3), 255–260. doi:10.1089/jpm.2009.0221

* Hauser, D. J., & Schwarz, N. (2015). The war on prevention: Bellicose cancer metaphors hurt (some) prevention intentions. Personality and Social Psychology Bulletin, 41(1), 66–77. doi:10.1177/0146167214557006

* Rose K. Hendricks, Zsófia Demjén, Elena Semino & Lera Boroditsky (2018) Emotional Implications of Metaphor: Consequences of Metaphor Framing for Mindset about Cancer, Metaphor and Symbol, 33:4, 267-279, DOI: 10.1080/10926488.2018.1549835

 


 

جاد قعدان

 

 

باحث ومدرّب وناشط. متخصّص في علوم الدماغ (بيولوجيا وعلم نفس)، وعلم النفس الإدراكيّ اللسانيّ. يدرس حاليًّا ضمن برنامج الدكتوراه في الدراسات الإدراكيّة اللسانيّة، في "جامعة تل أبيب". معلّم بسيخومتري منذ 2007، ومدرّب للدبكة التراثيّة الفلسطينيّة.